ثنائية الريف والمدينة في الأفلام والثقافة المصرية
ياسمين أحمد
الفيلم الأول: النداهة، 1975
المشهد الختامي: فتحية (الممثلة ماجدة) – وهي فتاة ريفية طموحة – تفارق زوجها حامد (شكري سرحان) في محطة القطار. يغادر حامد القاهرة بينما تقرر فتحية البقاء في المدينة. تسير فتحية في شوارع المدينة عابرة فوق جسر وهي تحلم بمستقبلها في المدينة الكبيرة.
الفيلم الثاني: خرج ولم يعد، 1984
المشهد الختامي: عطية (يحيى الفخراني) – وهو موظف حكومي بسيط – يقرر البقاء في بلدته الأصلية مع فتاة وقع في حبها هي خيريه (ليلى علوي)، في محاولة للهروب من فوضى المدينة. يترك عطية جريدة في سيارة الأجرة التي كان من المفترض أن تقلّه إلى القاهرة.
يعبّر المشهدان الختاميان لهذين الفيلمين – «خرج ولم يعد» إخراج محمد خان (1942-2016) و«النداهة» إخراج كمال الشيخ (1919-2004) – عن روايتين متباينتين تسلطان الضوء على طبيعة الانقسام بين الريف والمدينة في السياق المصري. عمل على سيناريو كلا الفيلمين الكاتب عاصم توفيق (1931-2001)، وكلا العملين يستندان إلى رواية: الأول إلى رواية «البراعم العزيزة في مايو» (1958) للروائي الإنجليزي باتس، والثاني إلى رواية تحمل نفس اسم الفيلم ليوسف إدريس (1927-1991).
يتيح هذان الفيلمان استكشاف العلاقة بين السياقين الريفي والحضري، خاصة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية المعاصرة. وتكشف التمثيلات البصرية في ملصقي الفيلمين عن تعبيرات قصصية متخيلة مرتكزة إلى الفيلمين في إطار الإقصاء والتهميش.
يروي فيلم «النداهة» قصة زوج وزوجة يهاجران من الريف إلى المدينة بحثاً عن حياة أفضل. تبدأ القصة عندما تروي فتاة هاجرت مؤخراً إلى المدينة لقريناتها في القرية عن حياتها الجديدة وتتباهى بالمنتجات «الحضرية» التي جلبتها معها. تحفز هذه القصة فتحية وحامد للانتقال إلى العاصمة.
تُبهَر فتحية ببريق مدينة القاهرة وأضوائها. وتلتمس ما يمكن أن تفتحه هوية المدينة من أبواب للفرد، فقد تكون فرداً لا يبالي به أحد، لكنها فرد ذو خصوصية فردية وقدرة على تحقيق الأهداف الشخصية. في المشهد الأخير، تترك فتحية حامد في محطة القطار وتعود إلى المدينة، متخيلة مستقبلها، تارة كممرضة وأخرى كعاملة مصنع. تلبي فتحية نداء النداهة، التي هي مدينة القاهرة في هذه الحالة، وكأن للمدينة سحراً جاذباً يجعل عودتها للقرية أمراً مستحيلاً.
في ملصق فيلم «النداهة»، لُوّنت فتحية بتدرج من الألوان، يبدأ بالأرجواني وينتهي بالأصفر. وبالرغم من أن المصمم كرر نفس الرسم لفتحية، إلا أن فلتر الألوان يعكس تدرج رحلتها في المدينة ودراماتيكية نهاية القصة. في نهاية الفيلم، نجد فتحية غير راغبة بالعودة إلى جذورها القروية بالرغم من معاناتها من التحرش والمضايقات القائمة على النوع والطبقة من أحد القاهريين الأثرياء من سكان البناية التي كانت تقطنها مع زوجها. قد تكون فتحية قد تحررت من قيود تقاليد القرية، إلا أنها بقيت عالقة في قيود الطبقة في حياتها الجديدة في القاهرة. وفي حين أن فتحية تشعر أن المدينة ترحب بها، إلا أنها من غير الممكن أن تنضم إلى المدينة كهانم. ويبقى اندماجها في المدينة مشروطاً بتحقيق شروط اجتماعية لا تزال تفتقدها بالرغم من فطنتها. لكي تتجاوز هذه الحواجز، عليها أن تتعلم القراءة والكتابة وأن تتخطى ما تبقى فيها من الريف.
ملصق فيلم «النداهة» (1975)، 70 * 100 سم. تصميم خليل.
بالمقابل، يعاني عطية بطل «خرج ولم يعد» من قيود الحياة في القاهرة، خاصة مع صعوبة تلبية ظروف الزواج لأبناء الطبقة الوسطى في المدينة. فعطية عاجز عن تدبّر تكاليف الزواج. وفي زيارة له لبلدته الأصلية، يجد السكينة في هذه القرية التي صورّت في هذا الفيلم على بدائيتها – بالرغم من كل التغيرات التي طرأت على الريف في الواقع من هجرة إلى المدينة وإلى الخليج ومن تحولات زراعية. الانقسام بين حياة عطية في المدينة وإقامته في الريف (كزائر حتى نهاية الفيلم) واضح: المدينة تبدو قاتمة وجائرة، فيما يبدو الريف شيقاً ومحرراً للنفس.
في هذه القصة، لا يجد عطية الحرية في المدينة، بالرغم من عدم مبالاة الناس بشؤون بعضهم البعض. فعطية نفسه قد أصبح لامبالياً لأنه يشعر بالقهر. ما يزيد التباين بين حياته في المدينة وحياته في القرية هي أنه أصبح ملحوظاً في القرية، ولم يعد ذلك الشخص الذي لا يبالي به أحد، على الأقل بالنسبة لعائلته المضيفة والفتاة التي سيقع في حبها. في القرية، تمكن عطية من التحرر من قيود التقاليد التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الطبقة الوسطى في المدينة.
في ملصق فيلم «خرج ولم يعد»، لا نجد ما يوحي بالمكانة التي اكتسبها عطية في القرية. بالرغم من كونه بطل الفيلم، يظهر عطية في جانب الملصق، بحجم أصغر من مضيفه وابنته. في الواقع، تظهر الابنة مرتين في الملصق في سياق ريفي: مرة تركب حماراً ومرة أخرى في صورة مؤطرة في الخلفية وهي تجر بقرة.
ملصق فيلم «خرج ولم يعد» (1984)، 70 * 100 سم. تصميم رمسيس.
لقد كانت التحولات الاجتماعية والثقافية التي ترافق التمدن موضوع دراسة علماء الاجتماع الحضري في القرن التاسع عشر والعشرين. في كتابه «المدينة الكبيرة والحياة الذهنية» (1903)، يرسم جورج زيمل إطاراً لمفهوم «اللامبالاة»، الذي يرى أنه خاصية مميزة لحياة المدينة، حيث يتحرر الفرد من القيود الاجتماعية ويحصل على الفرصة لتحديد وتحقيق أهدافه الشخصية. يرى زيمل أن هذه اللامبالاة هي عنصر أساسي في انتقال وتطور الفرد من السياق الاجتماعي الريفي إلى الحضري.
في هذا العمل، يناقش زيمل كذلك التحول إلى الحياة الحديثة، مركزاً على المدينة الكبيرة ومحفزاتها المتواصلة كمكان أساسي يتحدد فيه دور الفرد في الحياة الحضرية الجديدة والتكيف النفسي المصاحب لذلك. بالمقابل، يرى أن هذه الآلية مفقودة في القرية، حيث تطغى فيها عقلية المجتمعات الصغيرة. فيلما «النداهة» و«خرج ولم يعد» يرويان قصصاً لا تتطابق مع هذا الانتقال الخطي الذي وصفه زيمل.
عطية وفتحية يتموضعان على طرفي طيف الانقسام بين الريف والمدينة. ففيما يمكن لفتحية أن تندمج في المدينة بشروط معينة، يمكن لعطية أن يندمج دون شروط في حياة وتقاليد الريف. وبالرغم من اختلاف القصتين، إلا أنهما يعززان تراتبية تضع المدينة فوق الريف، وتصور الريف وسكانه ملاذاً لرغبات أهل المدينة، سواء في حالة خيرية أو عطية.
استكشف مجموعة ملصقات: قصص من الريف المصري لدى ملصقات أضواء المدينة.
اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك آخر المقالات وإصدارات الملصقات والعروض الخاصة.