البواب، العسكري، ورئيس الجمهورية: الوجوه المتعددة لأحمد زكي في ملصقات السينما المصرية
أشرف سويلم
قدم الفنان أحمد زكي (1949-2005) أكثر من خمسين فيلماً للسينما المصرية، منذ أول ظهور له كوجه جديد في فيلم «ولدي» (1972) حتى آخر ظهور في فيلم «حليم» (2006) الذي عرض بعد رحيله. وبرع زكي في التنقل بين الشخصيات المتباينة أو المتناقضة شكلاً وموضوعاً، فلعب دور سياسيين من العيار الثقيل (وزير، رئيس جمهورية)، وفنانين مميزين (مغني، فنان تشكيلي، مصور، مخرج)، ورياضيين موهوبين (ملاكم) ورجال أمن لا يعرفون التهاون (عسكري، ضابط شرطة) بالإضافة إلى أدوار متنوعة لشخصيات خارجة عن القانون (مهرب، تاجر مخدرات، مشعوذ، محتال).
هذه التشكيلة المتنوعة من الشخصيات جليّة في الأفلام التي لعب بطولتها زكي، والتي استغلها فنانو الأفيش للتعبير عن مكامن هذه الشخصيات في تصميم ملصقات الأفلام. نستعرض هنا بعض أبرز هذه الشخصيات:
البواب
في فيلم «البيه البواب» (1987)، يجسد أحمد زكي شخصية عبد السميع، الرجل الصعيدي الطموح الذي يأتي إلى القاهرة مع أسرته سعياً وراء الرزق ليعمل بواباً لإحدى العمارات. في فترة قصيرة يستطيع عبد السميع أن يصبح من الأثرياء عن طريق السمسرة والنصب واستغلال احتياجات الناس وأزماتهم لصالحه.
ملصق فيلم «البيه البواب». مصر، 1987. تصميم آزم.
عبّر بوستر الفيلم عن هذا التحول في شخصية عبد السميع من خلال تصوير أحمد زكي في ملابس البواب التقليدية، جالسا على دكته في عظمة، واضعا ساقاً على ساق كمظهر للبهوية، وعلى وجهه ترتسم ابتسامة تجمع بين الخبث والسذاجة. وعلى يمين الملصق صور للشخصيات الرئيسية أقل حجما منه بكثير، وهي ترنو إليه تعبيراً عن انقلاب الوضع الاجتماعي وسيطرة البيه البواب وتحكمه في مصائرهم.
الرئيس
وفي فيلم «أيام السادات» (2001)، ينتقل أحمد زكي إلى شخصية معروفة في أذهان الملايين من حيث الشكل والصوت واللزمات الخاصة – وهذا على النقيض من شخصية البواب – وهي شخصية الرئيس الراحل أنور السادات. تغطي أحداث الفيلم مساحة زمنية كبيرة من حياة السادات تمتد نحو أربعين عاماَ، انطلاقاً من عمله السياسي السري وانتهاء بحادث اغتياله في العرض العسكري في ذكرى انتصار أكتوبر. وقد بلغت براعة أحمد زكي في تجسيده للشخصية على مستوى الشكل الخارجي والانفعالات الداخلية الحد الذي جعل مؤلف الفيلم أحمد بهجت يقول له: لو حاول الرئيس السادات نفسه أن يقلدك في تمثيل دوره فلن يستطيع!
ملصق فيلم «أيام السادات». مصر، 2001. مصمم غير معروف.
ملصق الفيلم يسيطر عليه اللون الأسود المهيب للتعبير عن فخامة الشخصية وهيبتها، وللتعبير أيضا عن النهاية الحزينة لها. تتصدر الملصق لقطة مكبرة لوجه أحمد زكي أو السادات بكافة تفاصيله: مقدمة رأسه الصلعاء تتوسطها زبيبة الصلاة، شاربه الكثيف، غليون التدخين في فمه بالطريقة التي اعتاد وضعه بها، وفي عينيه نظرة عميقة يشوبها الحزن، في حين نرى في الخلفية صورة باهتة لحادث المنصة.
المدمن
في فيلم «المدمن» (1983)، يلعب أحمد زكي دور المهندس خالد الذي يلجأ لإدمان المورفين حتى ينسى مأساة موت زوجته وابنه في حادث سيارة. ومن النظرة الأولى لملصق الفيلم، ندرك طبيعة شخصية بطله، حيث نراه في النصف السفلي وقد أسلم ذراعه وهو في حالة إعياء لمن يحقنه بالمخدر. وفي الأعلى صورة للطبيبة التي تتولى علاجه – تلعب دورها الممثلة نجوى إبراهيم – تراقب بقلق. ولعل الهدف من تقسيم الملصق إلى نصفين هو التعبير عن اختلاف سمات وظروف الشخصيتين، المدمن والطبيبة، في حين يثير استخدام الألوان الحيادية الغموض حول مصير البطل.
ملصق فيلم «المدمن». مصر، 1983. مصمم غير معروف.
تاجر المخدرات
وعلى النقيض من شخصية المدمن، يقدم أحمد زكي في فيلم «الامبراطور» (1990) دور زينهم عبد الحق، تاجر الهيروين الذي بدأ من الصفر ليصبح تاجراً كبيراً يتحكم في دخول المخدرات إلى مصر. ويدخل زينهم في صراعات مع العصابات الأخرى التي تحاول تصفيته والتخلص منه.
ملصق فيلم «الامبراطور». مصر، 1990. تصميم أنور.
يظهر زينهم في وسط ملصق الفيلم حاملاً سلاحاً بيد مصابة وهو يرنو بنظرات حادة مخفياً آلامه، وبجانبه شريكه إبراهيم (يلعب دوره محمود حميدة) وزوجته الراقصة حياة (تؤدي دورها رغدة). ولعل الخلفية السوداء للملصق توحي بالعالم الخفي لعصابات المخدرات، في حين تلمح الألوان النارية بحرارة الصراعات.
العسكري البريء
أحمد سبع الليل، عسكري الأمن المركزي غير المتعلم، رجل شديد الطيبة والبراءة لا يعرف عن المساجين السياسيين من المثقفين إلا أنهم أعداء الوطن، حتى يفاجأ بأن ابن قريته الجامعي الذي علمه الوطنية وشجعه على التطوع بالخدمة العسكرية ضمن مجموعة جديدة من المعتقلين. يدرك عندئذ أنه لا يحارب أعداء الوطن، ويبدأ بالتمرد على مأمور السجن، رافضاً استعمال القسوة مع المساجين. هذا هو دور أحمد زكي في «البريء» (1986) والذي يعد علامة بارزة في مشواره الفني.
ملصق فيلم «البريء». مصر، 1985. تصميم مرتضى.
مكونات الملصق المجمعة تعكس الأحداث المثيرة في الفيلم، فيما يعبر اللون الأحمر القرمزي المستخدم في كتابة عنوان الفيلم وأسماء أبطاله عن العنف والإثارة وينذر بما لا يمكن أن يكون إلا نهاية دموية للقصة.
الضابط الشرس
ومن العسكري البريء إلى شخصية أكثر قسوة وتعقيداً، يلعب زكي دور ضابط الشرطة حازم في فيلم «الباشا» (1993) والذي دأب على الإسراف في استخدام العنف مع الخارجين على القانون. يتم نقل حازم من إدارة مكافحة المخدرات إلى مباحث الآداب، حيث يحاول كشف شبكة كبيرة للدعارة يديرها رجل أعمال معروف.
ملصق فيلم «الباشا». مصر، 1993. تصميم مرتضى.
بوستر الفيلم بسيط ومتناسق. يصور زكي جالساً على النيل متطلعاً إلى القاهرة التي تبدو كأنها عروس الليل بأضوائها الساحرة ومبانيها الشاهقة، في إشارة رمزية لعالم الليل حيث تدور معظم الأحداث داخل ملهى ليلى. ويبدو أن مصمم الملصق، الفنان مرتضى، ترك الصورة غير دالة على طبيعة الدور او الشخصية وعوّل على اسم الفيلم للإشارة إلى طبيعة الشخصية التي يلعبها أحمد زكي، حيث جرت العادة أن يلقب ضابط الشرطة في مصر بالباشا.
تظهر النماذج السابقة كيف استطاع أحمد زكي أن ينتقل من الشخصية إلى نقيضها بنفس البراعة والإتقان. لقد تمكن دائماً من إقناع المشاهدين بأنه لا يمثل وإنما يتقمص الشخصية التي يؤديها بارتدائه لها بكافة أبعادها، الشكلية والنفسية والاجتماعية. سيبقى بريق زكي دائماً ساطعاً في تاريخ السينما المصرية الحديثة.
استكشف المزيد من الملصقات في مجموعة أحمد زكي لدى سيتي لايتس بوسترز
أشرف سويلم ناقد فني متخصص في الموسيقى والسينما، كتب في جريدة «الجمهورية» لأكثر من 40 سنة، كما ساهم في تحرير جريدة «السينما والفنون» ومجلات «السينما والمسرح» و«السينما والناس» و«سينما 2000».
اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك آخر المقالات وإصدارات الملصقات والعروض الخاصة.