لص بغداد: العرب في السينما العالمية
عبودي أبو جوده
ظهر هذا المقال أول مرة في كتيب معرض "«لص بغداد»، المستضاف من دار النمر في بيروت بين 20 فبراير و25 مايو 2019. يتألف هذا المعرض من سلسلة ملصقات أفلام أنتجت في الغرب بين 1910 ونهاية القرن العشرين تسلط الضوء على طرق تصوير العرب في السينما الغربية من خلال أفلام مثل «ألف ليلة وليلة» و «سندباد» و«كليوبترا» و«شهرزاد» وغيرها. للمزيد من المعلومات حول المعرض، قم بزيارة موقع دار النمر.
ملصق فيلم «لص بغداد»، فرنسا، 1940، 80 * 120 سم
«ليتل إيجيبت»: تشتت الخيال
نشأت نظرة الغرب نحو العرب – والتي شهدت انتشاراً في المجتمعات الغربية وخاصة في الولايات المتحدة – على إثر العروض الراقصة التي سبقت نشأة الأفلام التجارية بوقت طويل. يروي كتاب «أهرامات ونوادٍ ليلية» للكاتبة ليزا وين هذه الحقبة التاريخية، حين تشكَّل فريق من اثنتي عشرة فنانة تقودهن فريدة مزهر خلال معرض شيكاغو العالمي في عام 1893 وقمن بالرقص تحت اسم «ليتل إيجيبت» (مصر الصغيرة) ونلن إعجاب الجمهور الأمريكي. تفرقت الفنانات بعد نهاية الجولة في أمريكا. مع ذلك، استمرت كاثرين ديفين – إحدى الراقصات من أصل كندي – بالرقص بشكل منفرد وغيرت اسمها لعائشة وهبي، وهو اسم يحمل وقعاً أكثر «عروبة»، واستمرت بتقديم عروض تحت اسم «ليتل إيجيبت».
ملصق فيلم «مصر الصغيرة»، الولايات المتحدة، 1951، 69 * 104 سم
عام 1898، اكتسبت كاثرين ورقصتها «العربية» مزيداً من الاهتمام بعد أن داهمت الشرطة حفلاً باذخاً في نيويورك بسبب شائعات بأنها سترقص عارية، فزاد هذا الحادث من فرصها، ومهّد الطريق لراقصات أخريات لاستعمال اسم «ليتل إيجيبت» لتحقيق مكاسب مالية. قدّمت فريدة مزهر دعوى ضد كاثرين وشركة مترو غولدوين ماير السينمائية، التي صورت عام 1936 فيلم «زيغفيلد الكبير» المستوحى من سيرة «ليتل إيجيبت»، لكن فريدة مزهر توفيت قبل نهاية المحاكمة. برز هذا التصور النمطي للعرب مجدداً من خلال الفيلم الكوميدي «ليتل إيجيبت» الذي صور عام 1951 عن أميرة تغوي مليونيراً. لاحقاً، تم دمج الخيال في أغانٍ مثل «ليتل إيجيبت» التي أدتها فرقة «ذي كوترز» وأداها أيضاً ألفيس برسلي عام 1964 في فيلم «الحمّال».
السينما العالمية: العرب وصلوا للشاشة الفضية
مع بداية الحرب العالمية الأولى وانشغال الأوروبيين بها، سيطرت الصناعات السينمائية الأمريكية بإمكانياتها المادية وبكثافة إنتاجها على السوق السينمائية في الولايات المتحدة، وبدأت بتوزيع أفلامها على نطاق واسع في العالم أجمع، واستقطبت عدداً كبيراً من الفنانين والمخرجين والكتاب من دول كثيرة، ووصل الإنتاج السينمائي لديها إلى أكثر من 700 فيلم في السنة الواحدة.
من أجل استيعاب الطلب على الأفلام السينمائية، بدأ عدد من شركات الإنتاج الحديثة بالاستعانة بمؤلفين لكتابة مواضيع وأفكار تحاكي طلبات رواد الصالات. أعاد هؤلاء المؤلفون تكوين قراءاتهم وتصوراتهم كما يرغب المشاهدون، فكانت الروايات والقصص التاريخية عن الحضارات الماضية والمعروفة على نطاق شعبي مدخلاً إلى رفد الصناعة السينمائية بمواضيع قابلة للانتشار. كان للعرب وصورتهم في مخيلات هؤلاء الكتاب – الذين اكتشفوها في كتابات المستشرقين والرحالة إلى العالم العربي – قسط كبير، كما كان لنجاح فيلم «الشيخ» عام 1921 (من بطولة رودولف فالنتينو) دور كبير آخر ساهم خلال عقد العشرينيات بتصوير ما يقارب من تسعين فيلماً تدور موضوعاتها بشكل أو بآخر حول العرب.
ملصق فيلم «ابن الشيخ»، الولايات المتحدة، 1926، 69 * 104 سم
إن الصورة المترسبة في ذهن كل متفرج على تلك الأفلام الأولى هي صورة الكائن الهمجي المجبول بالعنف والشهوات، كما في فيلم «بو جست» في نسخه الأربعة (1926، 1939، 1966، 1982). غالباً ما تحوّل تلك الأفلام أرض العرب إلى صحراء جرداء، وفيلم «أغنية الصحراء» في نسخه الثلاث (1929، 1943، 1953) نموذج تحولت فيه جبال الريف في المغرب إلى أرض خراب عارية تماماً إلا من كثبان الرمل.
تثير صورة العربي في السينما العالمية أكثر من إشكالية على صعيدي النقد والتحليل، فعلى الرغم من اتساع الموضوع وتشعبه، يمكن تتبع المؤثرات الفكرية الرئيسية التي تسير في ضوئها هذه الصورة الخاضعة للمفاهيم النمطية السائدة التي يحاول الغرب نشرها وترويجها عن العرب. كثيراً ما تخضع هذه الصورة لمقياس استشراقي متعالٍ بعيد كل البعد عن حقيقة العالم العربي، ذلك أن أولئك المخرجين صوروا أفكارهم حول البلدان العربية من خلال كتب الاستشراق الغربية، أو أنتجوا تلك الأفلام ضمن أغراض أيديولوجية فكرية محددة مسبقاً.
الفنتازيا العربية
حاولت صورة العالم العربي الخيالي إثارة حماس المشاهدين من خلال خلق أرض ساحرة تغمرها كنوز وعجائب ويسكنها السحرة والحوريات الغاويات والراقصات الجميلات والشيوخ الشجعان والمخلوقات الضخمة.
أحد الأمثلة على هذه الصورة برز في فيلم «لص بغداد» (1924) الذي أعيد إنتاجه ثلاث مرات (1940، 1961، 1978). تمثل محور اهتمام صانعي الفيلم بالسحر والمغامرات والبساط الطائر والجواري والأجواء الغريبة أكثر من اهتمامهم بالدقة التاريخية لأحداث الفيلم. أما النسخة الثانية التي أنتجها ألكسندر كوردا – وجرى تصويرها على مدار عامين بين إنجلترا والولايات المتحدة – فقد كان فيها الكثير من المؤثرات الخاصة – مثل الجنّي الضخم – التي ساهمت في نجاح الفيلم حول العالم، مما دعا إلى إعادة توزيعه عالمياً في سنوات 1944، 1948، 1956، 1965، 1977، و2000، وبالإمكان اعتبار هذه الحقبة ضمن المرحلة الأولى لصورة العربي في السينما الأجنبية. مع نجاح نسخة عام 1940 من «لص بغداد»، بدأت العودة إلى قصص ألف ليلة وليلة، وأنتج العديد من الأفلام (وخاصة الأمريكية منها) المستوحاة من أجوائها مثل «علي بابا والأربعون حرامي» (1944) و«ألف ليلة وليلة» (1945) و«السندباد البحّار» (1947)، ومنها الهندية مثل «علاء الدين والفانوس السحري» (1952) والفرنسية مثل «علي بابا والأربعون حرامي» (1954) والفيلم الفرنسي التونسي المشترك «جحا» (1958) والعديد من الأفلام الأخرى.
ملصق فيلم «لص بغداد»، إسبانيا، 1978 (إعادة إصدار لفيلم 1940)، 70 * 100 سم، و ملصق فيلم «سندباد القائد»، الدنمارك، 1961، 62 * 85 سم.
ملصق فيلم «ألف ليلة وليلة»، إيطاليا، 1942، 70 * 100 سم
أرض الحروب والتجسس
بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الإنتاج السينمائي إلى أوروبا، كانت الدول العربية محور تصوير عدد كبير من الأفلام عن هذه الحرب وخصوصاً المعارك التي جرت بين الإنجليز والأمريكيين من جهة، والألمان والإيطاليين من جهة أخرى على الحدود المصرية وفي المغرب العربي، حيث كان للعرب دور ما بين هذين المحورين، مثل أفلام «صحارى» (1943)، و«خمسة قبور إلى القاهرة» (1943)، و«الطريق إلى القاهرة» (1951) وأفلام أخرى عن الفيالق الأجنبية في المغرب العربي، الأمريكية منها والفرنسية، مثل «الاستيطان في المغرب» (1949) و«عشرة رجال طوال» (1951).
مع بداية الستينيات وظهور موجة الأفلام البوليسية والجاسوسية، صوّر العديد من الأفلام وخصوصاً التجارية منها والمعروفة بأفلام الفئة «ب» في الدول العربية في مصر ولبنان وتونس، مثل فيلم «القاهرة» (1963) و«24 ساعة للقتل - بيروت» (1965) و«الجواسيس تُغتال في بيروت» (1965)، وقد شارك فيها عدد من الممثلين العرب منهم فاتن حمامة وسامية جمال وجميل راتب وشكيب خوري وإحسان صادق وآخرون. وكان لمشاركة عمر الشريف في فيلم «لورنس العرب» (1963) شأن كبير في وصوله إلى أدوار أخرى في السينما العالمية.
ملصق فيلم «الطائرة الأخيرة إلى بعلبك»، فرنسا، 1964، 60 * 80 سم
عرب بلا إنسانية
نتج عن الاستيطان اليهودي وتقسيم فلسطين عام 1948 وظهور الكيان «الإسرائيلي» واحتلاله أراضٍ عربية أخرى عام 1967 شكل جديد من تنميط صورة العربي في السينما العالمية، وخصوصاً الشخصية الفلسطينية. عمد الإنتاج السينمائي العالمي والأمريكي خصوصاً في السبعينيات إلى تثبيت بعض الأفكار في عقول المشاهدين، إذ لم تكتفِ تلك الأفلام بتصوير العرب بأشكال وأنماط تدعو إلى السخرية أو الرثاء، بل ظهر مسعى سياسي واضح أضيفت إليه غاية فكرية مفادها التحذير من العرب وتصوير «إسرائيل» كدولة مؤيدة ومدافعة عن مصالح الشعوب وخاصة عن المصالح الأمريكية. بعض هذه الأفلام أصبحت نماذج يحتذى بها في تناول الإرهاب مثل «الأحد الأسود» (1977) و«الشبكة» (1976) الذي كان أول فيلم يحذر من هجمة استثمارية عربية تحدّ من حرية الإعلام الأمريكي وتستولي على محطاته. قام جاك شاهين في كتابه «العرب السيئون: كيف تسيء هوليوود للشعوب» بتوثيق عدد كبير من الأفلام التي شوّهت العرب وصوّرتهم كأشرار بربريين.
ملصق فيلم «لهيب عربي»، الولايات المتحدة، 1951، 69 * 104 سم
لم يخلُ هذا من أفلام جيدة وإيجابية كفيلم «الرسالة» (1976) و«أسد الصحراء» (1981) من إخراج وإنتاج المخرج السوري الأمريكي مصطفى العقاد. في العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي ومع المتغيرات الحاصلة في العالم العربي الداعية إلى إحياء مسائل السلام والتطبيع، ومع بحث «إسرائيل» – في الوقت الذي تدعي أنها تريد مد يد الصداقة بينها وبين الشعوب العربية – عن ذرائع لمواصلة حربها الإعلامية وابتزاز المزيد من المعونات الخارجية، غدت الصورة التقليدية للعرب غير محدّثة، فذاك التشخيص المستنتج من حكايات ألف ليلة وليلة، وتلك الفنتازيات الساحرة لم تعد الغالبة في سوق العلاقة بين الغرب والعرب. المشارك الجديد هو عدد من الأفلام الأمريكية التي غالباً ما تدعي أنها تريد بحث الموضوع العربي بجدية مثل «هانا ك» (1983) و«ثلاثة ملوك» (1999) و«المحارب الثالث عشر» (1999).
ومع بداية القرن الحادي والعشرين، استمرت أفلام العنف التجارية التي تنتج بأرخص العناصر الفنية في تقديم صورة إرهابيين عرب يشكلون خطراً على سلامة المجتمع الدولي، لكن على الرغم من ذلك ظهر في الغرب من فهم هذه الأفلام لا لسوء مقصدها وافترائها فقط، بل لسوئها من حيث إلغائها للحوار الإنساني والثقافي في العلاقة بين شعوب العالم. تجدر الإشارة أخيراً أن العرب لم يكونوا العرق الوحيد الذي شوهته هوليوود، إلا أن الصورة العربية اتخذت انعطافاً أكثر عنفاً بسبب الصراع العربي «الإسرائيلي».
عبودي أبو جوده ناشر ومجمّع شغوف للملصقات الثقافية والسياسية. خلال مسيرته المهنية وخاصة منذ أواخر السبعينيات، مضى أبو جوده في بناء مجموعة مهمة وكبيرة من المطبوعات وملصقات الأفلام القديمة من لبنان والوطن العربي والعالم. حصل على ملصق فيلم «رحلة السندباد السابعة» (1958) وهو في سن المراهقة، حيث كان هذا الملصق الأول ضمن مجموعة «لص بغداد». تراكمت المجموعة لتصل إلى 550 ملصقاً سينمائياً و300 صورة ودفتر إعلاني من حوالي 20 دولة.
اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك آخر المقالات وإصدارات الملصقات والعروض الخاصة.